الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

معزوفة -1 !!



1- يقول أحد مصممي المجوهرات : ليست المشكلة في تصميم العقد، المشكلة هي البحث عن المرأة التي سترتديه وقت العرض!لأنها هي من سيظهر جماله.
هذا الحديث وهذه القاعدة  تنطبق على كلماتنا، فالقواميس تعج بملايين الكلمات، لكن من الذي سيزين هذه الكلمات ؟! ويطوق بها عنقه ؟ وهذا هو أصعب أنواع الكتابة  .
نعم أصعب أنواع الكتابة أن تكتب عن من تحب، لأن الكتابة عن الغرباء يسيرة، أما عن من نحب فأننا نتجاذب القلم مع مشاعرنا وقلبنا وجسدنا فالجميع يكتب الجميع يريد أن يثبت انتمائه ويعلن ولاءه ويسطر الملحمة، كيف تكتب عن شوق يتجدد كل نبض، وعن حنين يتعرى كل صباح وحب يرتدي ثوبا جديدا كل مساء كيف تكتب والوريد مدادك؟ والقُبلات فواصلك، الشئ الوحيد الذي يفعله المحب حين يكتب هو تمزيق الورق وتسويد الدفاتر، فلا شئ يصف حبه أو يرضى غروره , المشكلة تكمن في أن القلب حين يتحدث يشبه الطفل الذي يتعلم النطق حديثه صادق لكن حروفه مبهمة .

2- بقيت ذراع واحدة مكسورة أزحف عليها،تلك اللحظات التي تتيقن أنها لن تمرابدا،تلك الصباحات التي تتصفح وجهك في المرآة متسائلاً من هذا الذي يتوسطها تلك اللحظات التي كنت تقفز فيها منتشياً قبل أن يدهمك قطار ضخم يجر عربات ثقيلة،ليمر على جسدك كلمارفعت رأسك كي تلتقط أنفاسك مرت عليك عربة اثقل تلك اللحظات التي لاتفرق فيها بين ضوء النهار وعتمة الظلام،طعم الحب ومرارة الفراق،رائحة الياسمين وفوح المقابر،ضحكة الطفل وصراخ المحتضر ....
تلك اللحظات....أعدك أني سأكتبُ عنها....

3- لم أتوقع أن تمتد أغصان هذه الشجرة العتيدة حتى تصافح نافذتي في الطابق الثاني،لتشرع ذراعيهاكأنها تود أحتضاني كل صباح كما تفعل مع طائرها الصغير أعتدت معرفة حالة الطقس عبر حفيف أوراقها،ومعرفة وقت الشروق عبر صوت سكانها من الطيور،لقد أصبحتُ غصنامن أغصانها تموت الشجرة،ويبقى ظلها حي،هي الكائن الوحيد الذي لاتفرق بين شيخوخته وموته،لايوجد لحظة إحتضار بل موت يشبه غروب الشمس هادئ طويل ورتيب
 
4- عشرون عاما مضت ولم اصعد تلك الدرجات العتيقة التي تقود إلى غرفتي العلوية،لازلت أتذكر وقع خطوات والدي الرتيبة حين يأتي ليوقظني لصلاة الفجر في آخر مرة حاولت فيها أن اخطو عبرها،(والتي لاحظت فيها أن صوت خطواتي الثقيلة يتطابق مع صوت خطوات والدي رحمه الله)،تراجعت سريعا وكان سر تراجعي،هو خوفي من أن أجد ذلك الفتى الأسمر النحيل الغارق بين كتبه التى تفوقه وزنا،وكان خوفي ينحصر عدم قدرتي على أن أجيب على سؤاله الذي سيلمع من خلال عينيه بلمح البرق،لماذا لستَ أنّا،وكيف تجسدت هكذا؟!

5- بيتر العظيم(بطرس الأكبر)القيصر الروسي المتفتح الذي حكم بعد أقل من 100 سنة من حكم ايفان الرهيب المرعب،كان أول قيصر يسافر خارج روسيا وهو داشر داشر وسكير من الطراز المتقدم:) مثلا لما زار انجلترا سكن في منطقة غرينتش حتى يكون قريبا من مناطق بناء السفن ليطلع عليها، وسكن معه العالم الفلكي الشهير (ادموند هالي)مكتشف مذنب هالي، فكانو يثملون كل ليلة ويدفعون ببعض في العربات ويتقيئون على الأزهار:)لكن لبيتر فضل واحد على الفن حيث قام بشراء لوحة (رامبرنت)جوناثان وداود،والتي أثرت كثيرا على الفن الروسي وادخلت اليه افكار وتقنيات فنية مختلفة خصوصا(الضوء)وكانت بحق نقلة

 
6- تناولت قدح الشاي بيدي اليمنى حاملاً صحيفتي بيدي اليسرى،وضعتهما على الطاولة،وفتحت التلفاز لأطالع أخبار الظهيرة،كنت اريد أن أعرف المزيد حول  أحداث سوريا وحصار المطار من قبل الثوار،لم الحظ شعار القناة المعتاد لكن هذا لم يلفت انتباهي كثيرا،كانت الأخبار تتحدث عن حصار بيروت من  قبل الجيش الإسرائيلي،كانت مناظر المقاتلين الفلسطينيين تتكاثف أمام عيني،عرض الأفلام الوثائقية في هذا الوقت ليس سيئا(هكذا حدثت نفسي)،لكن الشئ الذي لفت انتباهي بشدة،حين رفعت الصحيفة لأطالعها هو تأريخ الصحيفة الذي كان يشير الى سنة(١٩٨٢)،لقد سقطت داخل ثقب صغير في جدار الذاكرة .

7- بورخيس، بورخيس، خورخي بورخيس ( أسمه قصيدة يمكن أن ترددها على جرف صخري ليعود اليك الصدى بانغام حزينة ودموع ومكتبة كبيرة)، بورخيس العظيم الذي اتصور قلبه عبارة عن كتاب مفتوح، كما تصور هو الفردوس عبارة عن مكتبة دائرية لامتناهية،أحببت هذا الأديب أحببت سخرية القدر حينما تحقق حلمه العظيم في أن يعيش داخل مكتبة، فيتم تعيينه أمينا لمكتبة بوينس أيرس في نفس الوقت الذي يفقد فيه بصره!! ليخرج لنا قصيدة هي من عيون الشعر وسمها باسم الهبات،يقول فيها:بمملكة الكتب هذه..جعل عيني المطفأتين هي الملكة..عيني التى لايمكنها أن تقرأ إلا في الظلمة كتب الأحلام.

8- من الذي قرأ بؤساء هوجو وتوقف عن سماع صوت جان فلجان داخله كلما رأى طفلا مشردا؟ من الذي توقف عن سماع أفكاركوزيمودو كلما رأى وحشا بشريا مشوها بقرب فتاة جميلة،من الذي لم يتخيل صرصار غيرغوري سامسا كل ما أستيقظ من فراشه وصوت مدير عمله يتردد في عقله..أنها أرواح تتلبس روحنا هذه الحوارات،هذه الأصوات والكلمات،المشاعر والإنفعالات،التي تختزنها الروايات،لن تنتهي بنهاية الرواية،بل ستستمر داخلنا لتنمو معنا وترافقنا.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق